[rtl][size=23]القدس مدينة عربية عريقة بتاريخها الحضاري وتراثها الثقافي والعمراني، وهي تنفرد بوضع وخصائص تميزها عن أي مدينة أخرى، وهي عين القلب من العالم الإسلامي جغرافياً ودينياً، إنها مدينة الأنبياء والرسل، ومهبط الديانات السماوية الثلاث، لذا فهي مقدسة من جميع المؤمنين بالرسالات السماوية. [/rtl][/size]
[rtl][size=23]كانت القدس بحق مهداً لأقدم الحضارات وأعرقها، وتدل أسماؤها الشائعة على عروبتها فالقدس لفظة جذرها كنعاني جاءت من قادس أو قادش أي المقدسة، والتقديس نابع - بلا شك- من مكانتها الدينية في الإسلام والديانات الأخرى, سكنها اليبوسيون – وهم فرع من الكنعانيين – في الألف الثاني قبل الميلاد. وفي عهد أحد ملوكهم (ملكي صادق) ظهرت في المدينة أول طائفة اعتنقت التوحيد برعاية ملكي صادق, فوَّسع المدينة وأطلق عليها ( أورسالم) أي مدينة الإله سالم().[/rtl][/size]
[rtl][size=23]أما الاسم الثاني فهو بيت المقدس وهو الاسم الذي دعاها به العرب المسلمون فهي أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين وإليها كان الإسراء والمعراج، وإيلياء هو الاسم الذي عرفها به العرب زمن الفتح وكتبه عمر بن الخطاب في العهدة العمرية، أما الاسم القديم للقدس (أورشليم) أي مدينة الإلهسلم وقد ورد في نصوص اللعن المصرية العائدة للقرن التاسع عشر ق.م, كما تذكره رسائل العمارنة في القرن الرابع عشر, والخريطة الموجودة في آخر (التوراة)الكتاب المقدس، والتي تبين أن الهيكل يقع تحت المسجد الأقصى بكل حدوده، إنما هي خريطة مفتعلة، ومن رسمها هو العالم اليهودي إسحق نيوتن عام 1725م((صاحب نظرية الجاذبية المعروفة)) وليس كما يزعمون أنها رسمت ق.م.() [/rtl][/size]
[rtl][size=23]ويبدأ تاريخ القدس المكتوب من القرن الثامن قبل الميلاد، في عام 705 ق.م وفقاً للمعطيات الأثرية الحديثة التي نتولى تفسيرها بعيداً عن الإسرائيليات, وصلالملك الآشوري سنحاريب القدس وأخذ الجزية من ملكها حزقي إيل وشعبها، وفي عام 587 ق.م أحرق الملك الكلداني البابلي نبوخذ نصر أورشليم وسبى أهلها، ودمر هيكلها، وغنم كل ما فيه، وسبى قسماً من سكانها (وهو مايعرف بالسبي البابلي لليهود)().[/rtl][/size]
[rtl][size=23]ولشدة اهتمام العرب بمدينة القدس فكر الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بنقل عاصمة الدولة العربية الإسلامية إليها، وعندما احتل الفرنجة القدس عام 1099م. ارتكبوا المذابح وقتلوا العرب المسلمين(لأنهم كفار) والمسيحيين لأنهم ((هراطقة)) ولما قام صلاح الدين بتحرير القدس من الفرنجة سمع العالم كله عن تسامح العرب ومعاملتهم الفريدة للفرنجة.[/rtl][/size]
[rtl][size=23]كانت القدس محور اهتمام صلاح الدين فيذكر مؤرخه ابن شداد أنه كان لديه من القدس المقيم المقعد فهي كانت همه الوحيد، وفي الحقيقة هذا ينطبق تمام الانطباق على القائد الخالد حافظ الأسد الذي كان يضع دائماً خلف مكتبه صورة حطين ويتطلع دوماً إلى حطين جديدة، وكانت القدس قضيته المركزية أوقف جل اهتمامه بها كرمز وكجوهر للقضية الفلسطينية(). [/rtl][/size]
[rtl][size=23]يكمن هدف هذا البحث في دراسة حياة القدس الفكرية ومشهدها الثقافي في العصر العثماني من خلال دراسة الجوانب الثقافية كالتربية والتعليم والتي تشمل المدارس والعلماء والطلاب والمساجد والزوايا والربط، وإبراز جوهر المكتبات والطباعة والصحافة وحركة الترجمة ودورها في الحفاظ على التراث المقدسي وإغناء الثقافة في القدس، وتسليط الضوء على المدينة التي عاشت أوج ازدهارها ومجدها على امتداد الحكم الإسلامي لها الذي امتد زهاء أربعة عشر قرناً، إنها القدس التي بلغ ما قد كتب عنها آلاف المجلداتوالكتب والوثائق المحفوظة في الأرشيف العثماني باسطنبول(). [/rtl][/size]
[rtl][size=23]حظيت القدس باهتمام كبير في جميع أنحاء العالم, ولم يكن هذا الاهتمام دينياً فقط, ولكنه اتسع ليشمل اهتمامات أخرى حضارية وثقافية واجتماعية وسياسية وغيرها, ورغم اختلاف الدوافع من زمن إلى آخر , إلا أن المدينة بقيت مسرحاً لأحداث عظيمة مازالت موضع بحث وتقويم حتى اليوم, ومازالت مدينة تنبض بالحياة, لم ينقطع ماضيها عن حاضرها.[/rtl][/size]
[rtl][size=21]أولاً: مصادر الحياة الثقافية في القدسوالدراسات السابقة: [/rtl][/size]
[rtl][size=23]ظهرت عدة بحوث تاريخية وأدبية واجتماعية موثقة أحياناً, من رحالة ومؤرخين ومهتمين هدفت من خلالها دراسة المجتمع المقدسي في العصر العثماني, ولاشك في أن مصادر الحياة الثقافية والتعليمية في القدس إبان العصر العثماني (1517-1917) اعتمدت على الثقافة العربية الإسلامية بالدرجة الأولى، فمن ذلك كتب الأخبار والتراجم والرحلات، وكذلك كتب الفتاوى الشرعية الإسلامية، وقد وفرت سجلات المحاكم الشرعية التي كُتبت بالعربية مصدراً محلياً واسعاً ومباشراً لدراسة مدينة القدس، وأعطت الباحثين القدرة على الاستفادة من وفرة المعلومات التي احتوتها سجلات محكمة القدس الشرعية، ويمكن عن طريقها رصد جوانب الحياة المختلفة من إدارية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية، وهذا المصدر المحلي يسدُّ النقص في المادة التي تقدمها كتب التاريخ عادة، ويعطي تفاصيل دقيقة عن مظاهر الحياة اليومية والأماكن والجزيئات التي يغفلها عادة المؤرخون، والرحالة الذين يقدمون الصورة من منظورهم الآني المحدد الزمن()[/rtl][/size]
[rtl][size=23]ويعدُّ الأرشيف العثماني في استانبول من أهم المصادر في فهم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمدينة القدس ودراستها، وأهمية هذه الوثائق تنبع من احتوائها الكثير من المعلومات عن القدس ومخططات الصهيونية للاستيلاء عليها منذ منصف القرن التاسع عشر، فقد أولت الدولة العثمانية اهتماماً كبيراً بالوثائق والسجلات في عهد السلطان مصطفى- القرن الثامن عشر بإنشاء الخزينة الخاصة بالوثائق، ثم أنشئ الأرشيف أو خزينة الأوراق في عهد السلطان عبد الحميد ويحتوي هذا الأرشيف على مئة مليون وثيقة عن الوطن العربي*، وهناك خزانة خاصة بوثائق القدس وفلسطين في أواخر العصرالعثماني، وتؤكد هذه الوثائق أن الدولة العثمانية وعلى رأسها السلطان عبد الحميد الثاني لم يفرطا في القدس على الرغم من كل الضغوط التي مورست عليهما، وقد استفاد بعض الباحثين الأجانب من هذه الوثائق التي كتبت عن البلاد العربية وقاموا ببعض الدراسات المتعلقة بها كالباحث البريطاني برنارد لويس الذي كتب بعض البحوث في هذا الشأن منها:[/rtl][/size]